الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا} أمرًا عجيبًا وهو نفي القدرة على إحياء الموتى، أو تشبيهه بخلقه بوصفه بالعجز عما عجزوا عنه.{وَنَسِىَ خَلْقَهُ} خلقنا إياه.{قَالَ مَن يُحيِيِ العظام وَهِىَ رَمِيمٌ} منكرًا إياه مستبعدًا له، والرميم ما بلي من العظام، ولعله فعيل بمعنى فاعل من رم الشيء صار اسمًا بالغلبة ولذلك لم يؤنث، أو بمعنى مفعول من رممته. وفيه دليل على أن العظم ذو حياة فيؤثر فيه الموت كسائر الأعضاء.{قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} فإن قدرته كما كانت لامتناع التغير فيه والمادة على حالها في القابلية اللازمة لذاتها.{وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ} يعلم تفاصيل المخلوقات بعلمه وكيفية خلقها، فيعلم أجزاء الأشخاص المتفتتة المتبددة أصولها وفصولها ومواقعها وطريق تمييزها، وضم بعضها إلى بعض على النمط السابق وإعادة الأعراض والقوى التي كانت فيها أو إحداث مثلها.{الذي جَعَلَ لَكُم مّنَ الشجر الأخضر} كالمرخ والعفار.{نَارًا} بأن يسحق المرخ على العفار وهما خضراوان يقطر منهما الماء فتنقدح النار.{فَإِذَا أَنتُم مّنْه تُوقِدُونَ} لا تشكون فإنها نار تخرج منه، ومن قدر على إحداث النار من الشجر الأخضر مع ما فيه من المائية المضادة لها بكيفيتها كان أقدر على إعادة الغضاضة فيما كان غضًا فيبس وبلي، وقرئ من {الشجر الخضراء} على المعنى كقوله: {فَمَالِئُونَ مِنْهَا البطون} {أَوَ لَيْسَ الذي خَلَقَ السموات والأرض} مع كبر جرمهما وعظم شأنهما.{بقادر على أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُم} في الصغر والحقارة بالإِضافة إليهما، أو مثلهم في أصول الذات وصفاتها وهو المعاد، وعن يعقوب {يقدر}.{بلى} جواب من الله تعالى لتقرير ما بعد النفي مشعر بأنه لا جواب سواه.{وَهُوَ الخلاق العليم} كثير المخلوقات والمعلومات.{إِنَّمَا أَمْرُهُ} إِنَّمَا شأنه.{إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن} أي تكون.{فَيَكُونُ} فهو يكون أي يحدث، وهو تمثيل لتأثير قدرته في مراده بأمر المطاع للمطيع في حصول المأمور من غير امتناع وتوقف وافتقار إلى مزاولة عمل واستعمال آلة قطعًا لمادة الشبهة، وهو قياس قدرة الله تعالى على قدرة الخلق، ونصبه ابن عامر والكسائي عطفًا على {يِقُولُ}.{فسبحان الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَىْءٍ} تنزيه عما ضربوا له، وتعجيب عما قالوا فيه معللًا بكونه مالكًا للأمر كله قادرًا على كل شيء.{وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} وعد ووعيد للمقرين والمنكرين، وقرأ يعقوب بفتح التاء. وعن ابن عباس رضي الله عنه: كنت لا أعلم ما روي في فضل يس كيف خصت به فإذا أنه بهذه الآية. وعنه عليه الصلاة والسلام «إن لكل شيء قلبًا وقلب القرآن يس، وأيما مسلم قرأها يريد بها وجه الله غفر الله له وأعطي من الأجر كأنما قرأ القرآن اثنتين وعشرين مرة، وأيما مسلم قرئ عنده إذا نزل به ملك الموت سورة يس نزل بكل حرف منها عشرة أملاك يقومون بين يديه صفوفًا يصلون عليه ويستغفرون له، ويشهدون غسله ويشيعون جنازته ويصلون عليه ويشهدون دفنه، وأيما مسلم قرأ يس وهو في سكرات الموت لم يقبض ملك الموت روحه حتى يجيئه رضوان بشربة من الجنة فيشربها وهو على فراشه فيقبض روحه وهو ريان، ويمكث في قبره وهو ريان، ولا يحتاج إلى حوض من حياض الأنبياء حتى يدخل الجنة وهو ريان». اهـ.
|